Saturday, 16 December 2017

لماذا اتبع الناس المذاهب الأربعة

لماذا اتبع الناس المذاهب الأربعة وتركوا منهج السلف ؟

الجواب بقلم الدكتور محمود أحمد الزين رحمه
الله تعالى:

بسم الله الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه هدانا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه: وبعد:

لم يخرج أحد من الأئمة الأربعة عن مذهب السلف قليلاً وكثيراً إذا فهمنا حقيقة الأمر ، فالأئمة الأربعة عندهم قاعدة أن ما أجمع عليه السابقون ( يعني الصحابة والتابعين ) لابد من الأخذ به ، وما كان قد اختلفوا فيه يختارون منه ماهو أقوى دليلاً حسب فهم كل من الأئمة الأربعة ، ولهم في ذلك قواعد عامة .

فالإمام أبو حنيفة رضي الله عنه يختار في الغالب أقوال سيدنا علي رضي الله عنه لرفعة مكانته في العلم وكثرة فضائله فيه ، ومدح النبي صلى الله عليه وسلم له بالعلم،  وأقوال عبد الله بن مسعود لمدح النبي صلى الله عليه وسلم له بقوله : ( وما حدثكم ابن أم عبد فصدقوه ) ، ومن جهة ثانية كان هذان الصحابيان قد نشرا علمهما في العراق وفقها أهل العلم في الدين سنين عديدة في العراق فإسنادهما اقرب

وأما الإمام مالك رحمه الله فكان في الغالب يختار قول عمر رضي الله عنه وقول ابنه عبد الله ثم قول سعيد بن المسيب من التابعين ، وقد وضح سبب هذا الاختيار فقال : إن عمر كان يستشير،  ومعنى ذلك أن فتاواه فتاوى وافقه عليها جماعة من الصحابة وأما عبد الله بن عمر فإنه أفتى بين الصحابة أربعين سنة ، ومعنى ذلك أنهم علموا فتاواه فلم ينكروا عليه ، ومخالفتهم له في الفتوى ليست إنكاراً عليه بل معناها أن لهم الحق أن يجتهدوا فيفهموا غير مافهموا ، وأما سعيد بن المسيب فكان من كبار التابعين اخذ العلم عن كبار الصحابة وأفتى في حياتهم وهذا يعظم الثقة في فتاواه

والشافعي رحمه الله لم يلتزم قاعدة معينة في الترجيح وإنما كان يرجح من أقوال الصحابة والتابعين ماراه اقرب إلى الدليل الخاص في كل مسالة ولا يخرج عن أقوالهم

وأما الإمام احمد بن حنبل ( إمام أهل السنة في زمانه ) فكان همه الأول ألا يخرج الناس في زمانه عن أقوال السلف ، فكان يفتي في كل مسالة بقول واحد من السلف يراه أنسب للمسالة في وقتها ، ولذلك كثرت أقواله في المسالة الواحدة وتعددت أكثر من المذاهب الثلاثة الأخرى ، وكان يكره أن يفتي المرء بما لم يرد عن الأئمة السابقين كراهة شديدة ، وكان يقول لمن يستشيرونه كيف يفتون : لا تفت في مسالة ليس لك فيها إمام إذا لم تجد في المسالة قولاً لأحد من السلف فأفت فيها بقول الشافعي

ثم بعد هذا كله إذا لم يجدوا في الأولين قولا في المسالة اجتهدوا كل بحسب قواعد الاجتهاد عنده وهذا شيء طبيعي إذا لم يجدوا للسلف قولا.

وينبغي ألا ننسى أن هؤلاء الأئمة الأربعة هم من جملة السلف فأبو حنيفة رضي الله عنه يذكرون أنه لقي بعض الصحابة ، ومعنى ذلك أنه من التابعين ، وإن لم يكن ذلك فهو من كبار تلامذة التابعين ، ومالك من كبار تلامذة التابعين أيضاً ، والشافعي من أصغر تلاميذ التابعين ، والإمام أحمد من الطبقة التي تليه

فالثلاثة الأولون من أهل القرن الثالث من القرون التي فضلها النبي صلى الله عليه وسلم والإمام أحمد من القرن الرابع ، وهذا القرن مذكور في بعض الروايات مع القرون الثلاثة المفضلة ، فكلهم رضي الله عنهم من السلف وأتباع مذاهبهم أخذوا بأقوالهم التي هي في الأصل أقوال السلف ولم يزيدوا عليها إلا في المسائل التي لم يتكلموا فيها بشيء ، والخلاف الذي بين الأئمة الأربعة بناء على ما تقدم هو في الأصل خلاف بين أساتذتهم من الصحابة والتابعين ، وإنما سميت اختيارات هؤلاء الأربعة مذاهب لأنه كان لكل منهم منهج في الترجيح بين أقوال شيوخهم من الصحابة والتابعين ، واختار الناس اتباعهم ثقة بعلمهم ودينهم ، فاتباعهم اتباع للسلف وليس اتباعهم بديلاً عن اتباع السلف

والله تعالى أعلم

والحمد لله رب العالمين

No comments:

Post a Comment